أنت هنا

ثقافة عامة و منوعات

مقابلة نجيب باوزير مع الوطن الثقافي

الشاعر اليمني نجيب باوزير لـ(الوطن الثقافي):
إطلاعي على تراث الشعر العربي أسهم في تكوين ذاكرتي الشعرية

 

حوار ـ حسن المطروشي: كالكثير من المبدعين لم يخطط لان يكون شاعرا وانما وجد ذاته تحن الى القصيدة وتهفو الى الابداع منذ نعومة اظافره .. حمل قلمه وذهب يجوب فجاج الشعر القصية حتى لمست قدماه اخر جروفه الموغلة في التفوق والتجلي ، له اسهاماته في النشاط الثقافي اليمني من خلال الكتابة في مجال الشعر والمقالة الادبية والترجمة العامة من اللغة الانكليزية انه الشاعر اليمني نجيب سعيد باوزير الذي نشأ في بيت علم وثقافة فهو ابن المؤرخ والاديب اليمني سعيد عوض باوزير .. الشاعر نجيب زار السلطنة مؤخرا حيث التقته (الوطن) فكان لنا معه هذا الحوار:

 

نوافذ الذاكرة

يفتح نوافذ الذاكرة ليعود بنا الى الوراء قليلا لنتعرف على ذلك الصبي في حضرموت بعراقتها وتاريخها وتقاليدها حيث نشأ في اسرة علمية في حضن والده المؤرخ سعيد باوزير ويتنقل من مرحلة الى اخرى عبر سلم الحياة المليء بالعطاء والابداع فيقول : ولدت عام 1952 في مدينة غيل باوزير بمحافظة حضرموت فنشأت فيها وتلقيت دراستي الاولى في هذه المدينة والتي كانت تعرف منذ قديم الزمان بأنها مدينة العلم والعلماء وتعد احدى المدن اليمنية الحضرمية التي كان يقصدها طلاب العلم من اجل تلقي العلم على ايدي علمائها وفقهائها كما اكتسبت هذه المدينة شهرة في العصر الحديث كونها احتوت على المدارس العصرية الاولى وكانت مصدر اشعاع علمي حيث اقيمت فيها اول مدرسة وسطى في التاريخ الحديث في حضرموت والتي كانت ايضا يقصدها الطلاب من مختلف انحاء حضرموت والمناطق المجاورة. وبعد ان انهيت تعليمي المتوسط في هذه المدينة انتقلت الى مدينة المكلا لتلقي التعليم الثانوي ومن ثم ذهبت الى العراق حيث واصلت دراستي في كلية الهندسة بجامعة البصرة وقد تخرجت من جامعة البصرة عام 1977م وحصلت على البكالوريوس في مجال الهندسة المدنية.

 

عودة إلى الوطن والشعر

ويعود من العراق بلد الشعر ليجد ذاته مسكونا بهذا الحنين الجارف للقصيدة التي راودتها منذ نعومة اظافره في سن مبكرة .. وها هو يعود ليعانقها باخلاص ويصطحبها في حقيبته بقية العمر .. وعن عودته من العراق الى اليمن وما تبع ذلك من ذكريات يقول : وبالرغم من تخصصي العلمي الا ان حب الادب ظل في داخلي فبعد عودتي من العراق الى اليمن بدأت ممارسة هذه الهواية مترسما بذلك خطى والدي المؤرخ المرحوم سعيد عوض باوزير الذي تلقيت عنه وتأثرت بالجو العلمي الذي كان يسود مدينة الغيل الا ان بداياتي في ممارسة كتابة الشعر كانت مبكرة جدا حيث كتبت اولى قصائدي في فترة دراستي المتوسطة بالغيل.
وقد بدأ هذا الميل الادبي يفصح عن ذاته بقوة بعد عودتي من العراق حيث بدأت بالمشاركة والاسهام في النشاط الثقافي الذي كان يتركز في ذلك الوقت في مدينة المكلا بشكل خاص فكنت اشارك في الكتابة في المجلات الثقافية وحصلت على عضوية اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين الذي كان يصدر مجلة بالمكلا اسمها افاق التي كنت انشر كتاباتي فيها بين حين واخر الى جانب النشر في بعض الصحف التي كانت تصدر في عدن وقد تبلور هذا النشاط من خلال تجميعي لأعمالي الشعرية الاولى في ديوان صدر عام 1983م عن دار الهمذاني بعدن بعنوان (حلم الشاعر) الذي اطلع عليه الدكتور الشاعر عبدالعزيز المقالح ضمن مجموعة من اصدارات الشعراء اليمنيين وتحدث عنه في كتاب بعنوان (البدايات الجنوبية) وهذه كانت بداية تعرف الادباء والنقاد في اليمن على تجربتي الشعرية. وخلاف هذا الديوان فان لدي حاليا مجموعة شعرية جديدة اعتزم اصدارها قريبا ان شاء الله بعنوان (الحبيبة والفارس).

 

تشكيل وجداني

ويتحدث عن اهم المكونات الثقافية والادبية التي اسهمت في تشكيل ذاكرته الشعرية بالاضافة الى بعض اسهاماته الادبية فيقول : في البداية كان تأثري بنتاجات الشعر العربي التي كانت تصدر في تلك الفترة وقد تأثرت كثيرا بالشعر الرومانسي وعلى سبيل المثال شعراء المهجر والشعراء المصريين مثل علي محمود طه وابراهيم ناجي وقد اطلعت على ديوان للشاعر صالح جودت بعنوان (ليالي الهرم) الذي ترك اثرا كبيرا في نفسي بالاضافة الى كتاب (مختارات من الشعر العربي) التي اختارها الشاعر البحريني ابراهيم العريضي وتغطى فترة من الشعر العربي وتمتد من بدايات القرن العشرين الى عام 1950م اضافة الى قراءاتي في كتب التراث العربي من خلال مكتبة المعارف التي كان والدي امينا لها وهي تابعة لادارة التربية والتعليم والتي كانت تسمى في ذلك الوقت ادارة المعارف ، الامر الذي اتاح لي فرصة الاطلاع على بعض كتب الشعر العربي القديم مثل الشعر الجاهلي والشعر الاموي والعباسي وان لم تكن قراءات متعمقة الا انها كانت ذات تأثير في تكوين ذاكرتي الشعرية من خلال التأثر بالقالب العربي الرصين الذي مازلت اتمسك به من خلال ايثار النظم على الطريقة العمودية الاصلية وان هانت لي بعض قصائد التفعيلة الا ان اغلب قصائدي تسير على نمط قصيدة البيت العمودي.
الى جانب ذلك قرأت جانبا من الادب الانكليزي ولي محاولات في ترجمة بعض القصائد من الانكليزية الى العربية وقد شرعت الان في ترجمة بعض الاعمال العلمية والتاريخية خارج النطاق الادبي حيث فرغت قبل وقت قصير من ترجمة كتاب (اليمن .. ائمتها وحكامها وثوراتها) للكاتب هارولد انجرامز الذي كان مقيما سياسيا في حضرموت ويتوقع ان ينشر هذا الكتاب على حلقات في مجلة اليمن التي يصدرها مركز الدراسات والابحاث اليمنية في جامعة عدن.

 

جمعية أصدقاء باوزير

وتتواصل انجازاته واسهاماته في رفد الثقافة اليمنية حيث يعد من ابرز هذه الانجازات تأسيسية لجميعة اصدقاء المؤرخ سعيد باوزير التي يتحدث عنها قائلا : من النشاطات الاخرى التي اعتبرها ايضا ذات اهمية في تجربتي الثقافية يتمثل في تأسيسي لجمعية اصدقاء المؤرخ سعيد باوزير الثقافية في غيل باوزير والتي تهدف الى احياء وابراز تراث المرحوم الوالد الذي كان مؤرخا واديبا وتربويا وقد تأسست هذه الجمعية بتاريخ 30/9/1995م وضمت العديد من الشباب والمهتمين بالادب والثقافة في مدينة غيل باوزير بشكل خاص وقامت هذه الجمعية بنشاط ملموس في الساحة الثقافية اليمنية بحضرموت على وجه التحديد حيث اصدرت منذ تأسيسها نشرة (الفكر) التي تعني بالابداعات المحلية والتراث المحلي واليمني بشكل عام وتعدد اهداف هذه الجمعية والتي من بينها انشاء مركز ثقافي في غيل باوزير يكون له اسهام في تنشيط الحركة الثقافية في المدينة كما عملت هذه الجمعية على ابراز او نشر اصدارات المؤرخ المرحوم سعيد عوض باوزير وقد نجحت فعليا باصدار كتابين حتى الان وهما (الثقافة وسيلتنا للكفاح) و (معارك الاحرار) والكتابان عبارة عن مقالات كان ينشرها المرحوم باوزير في صحيفة الطليعة التي كانت تصدر في مدينة المكلا بحضرموت وتتناول هذه المقالات مواضيع مختلفة في شتى المجالات.
وقد قمت شخصيا بجمع هذه المقالات وتوزيعها على جزأين حيث ضم احد الاجزاء المقالات الاجتماعية والتربوية والثقافية فيما ضم الجزء الاخر بقية المواضيع وقد صدر الكتابان عن جامعة عدن وهناك خطة لنشر باقي الاسهامات الفكرية للمرحوم حيث سيصدر قريبا كتاب يتناول سيرته وحياته وشهادات حول مسيرته لبعض المثقفين علما بأن للمرحوم كتابات صدرت في حياته وكلها كتب تاريخها مثل (معالم تاريخ الجزيرة العربية) و(صفحات من التاريخ الحضرمي) و(الفكر والثقافة في التاريخ الحضرمي).

 

البردوني والمقالح وغيرهم

الشاعر نجيب باوزير له ايضا ذكريات ولقاءات مع بعض رموز الشعر اليمني الحديث مثل الشاعر الراحل عبدالله البردوني والدكتور عبدالعزيز المقالح وغيرهم فيقول : من الكتاب الذين تأثرت بهم سواء عن طريق الالتقاء بهم او القراءة لاعمالهم بالطبع والدي رحمه الله بالاضافة الى المؤرخ الراحل محمد عبدالخالق بامكرم وهو مؤرخ يمني معروف وله مؤلفات كثيرة وقد كانت تجمعني به لقاءات في مناسبات مختلفة او في بيته هناك ايضا كتاب اخرون مثل الشاعر الراحل عبدالله البردوني الذي جمعتني به لقاءات قليلة في العراق واليمن وأنا معجب ايما اعجاب بأسلوبه الشعري حتى انني كتبت دراسة عن تجربته تناولت فيها الشكل في شعره كما أن لي لقاءات بالشاعر عبدالعزيز المقالح وأدباء اخرين.
كتب نجيب باوزير في مختلف الضروب الشعرية الا انه اصبح الان اكثر ميلا للادب الالتزامي الذي تناول قضايا الامة كما يوضح ذلك قائلا : بالنسبة للشعر الذي اكتبه فقد كانت تغلب عليه النزعة الرومانسية وهو ما يتجلى خلال ديواني الاول اما بالنسبة لمجموعتي الشعرية الثانية والتي انا بصدد اصدارها فهي تغلب عليها النبرة الوطنية والقومية حيث ابتعدت عن الغزل والرومانسية واتجهت الى القضايا القومية والمصيرية تفاعلا مع الاوضاع الراهنة وما اعيشه من حس قومي نشأت عليه وغرسه في والدي رحمه الله.

 

المشهد الشعري اليمني

وعن المشهد الشعري اليمني الراهن يقول نجيب باوزير : المشهد الشعري اليمني وخاصة في حضرموت هناك اتجاه يميل اكثر نحو الالتزام بالشعر العمودي بالاضافة الى بعض الشعراء الذين يكتبون شعر التفعيلة اما بالنسبة لليمن بشكل عام فهناك توازن بين الانساق الشعرية كافة وهناك رموز ابدعت في مجال الشعر الحديث مثل الدكتور عبدالعزيز المقالح الذي يملك نظرة مستقبلية ويؤمن بتجدد الابداع وعدم ركونه الى قالب معين او شكل محدد. ومن الرموز كذلك الشاعر عبدالله البردوني الذي كان يتضمن صورا وأساليب حديثة رغم تمسكه بالشكل العمودي وهناك العديد من الاسماء الهامة التي يمكن ان نستشهد بها على وجود حركة شعرية قوية في اليمن في الوقت الراهن لها مشاركاتها واسهاماتها في المنابر الثقافية العربية.

المصدر : جريدة الوطن العمانبة


http://www.alwatan.com/graphics/2003/05may/18.5/heads/ct3.htm

المسار التاريخي للشعر في حضرموت - للشاعر نجيب سعيد باوزير

من تراث الأسرة