مقال عن محاضرة د. رحيم يار عباسي عن الامارة العباسية في بهاولبور (بشبه القارة الهندية)
التي ألقاها في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض
نقلا من جريدة الرياض بتاريخ 1/3/2003 م
***
د. رحيم: الأمراء العباسيون في (بهاولبور) أولوا اهتماماً كبيراً لإدارتهم ولرفاهية شعوبهم
تغطية: محمد الزيدعدسة: يحيى الفيفي
امتداداً لفعاليات النشاط الثقافي لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية لهذ الموسم أقام المركز مساء الاثنين الماضي بمبنى مؤسسة الملك فيصل الخيرية محاضرة ثقافية تحت عنوان "الامارة العباسية في بهاولبور" للدكتور رحيم يار عباسي الذي عرض قبل محاضرته بعض اللوحات والصور الفوتغرافية والمقتنيات الأثرية التي تحكي الحضارة العباسية في تلك البلاد. وقد بدأ المحاضر حديثه عن بهاولبور بقوله: "لقد كانت (بهاولبور) إمارة إسلامية في الهند في فترة الاستعمار البريطاني وتساوي (بهاولبور) في حجمها مساحة الدانمارك. وتاريخياً فقد انشئت إمارة بهاولبور في الوقت الذي أنشئت به الولايات المتحدة.
وتنحدر الأسرة الحاكمة في (بهاولبور) من السلالة العباسية التي تنتمي مباشرة إلى العباس بن عبدالمطلب - رضي الله عنه - عم الرسول صلى الله عليه وسلم، والخلفاء العباسيين في بغداد.
وعبر مختلف مراحلهم التاريخية وحروبهم مع أعداء أقوياء ومواجهتهم للخصوم والمتمردين والمكائد وفتحهم للأراضي والقلاع تمكن الأمراء العباسيون أخيراً من ترسيخ دعائم ولايتهم: (بهاولبور).
وبعد انتهاء عهد الفتوحات بدأ عهد الحضارة وكانت الولاية رمزاً للتقدم والحضارة الإسلامية وتطبيق القيم الإسلامية ونظام الحياة الإسلامي.
كما ان هناك اثني عشر حاكماً عباسياً لولاية (بهاولبور). وكان الأمير "محمد مبارك خان العباسي الأول"، أول حاكم عباسي في شكاربور في السند في الفترة من 1702إلى 1723م.
ثم يأتي اثنا عشر أميراً آخرهم الأمير الحاج الجنرال السير صادق محمد خان عباسي.
وإلى جانب ترسيخ مكاسبهم الاقليمية، أولى الأمراء العباسيون اهتماما كاملا لإدارتهم ولرفاهية الشعب عملا بتقاليد أسلافهم في بغداد. ويدل على ذلك ما شيدوه في المنطقة من مساجد وكليات ومدارس ومشاف ومستوصفات طبية ونزل للقوافل ودور للأيتام وما بنوه من الطرق والجسور والقنوات.
لقد تم إنشاء مدن جديدة وشيدت القصور والحدائق وتم تنظيم قوات الجيش والشرطة على أسس حديثة. ولا شك ان الأمراء العباسيين كافة اهتموا بالتنمية، ولكن أبرزهم كان آخر ثلاثة منهم وهم الأمير صادق محمد خان عباسي الرابع، والحاج محمد بهاول خان عباسي الخامس، والحاج الجنرال السير صادق محمد خان عباسي الخامس، إذ انهم كانوا أكثر ثقافة وتنوراً.
واقتداء بسلفه الخليفة هارون الرشيد العباسي في بغداد أولى الأمير صادق محمد خان العباسي الخامس اهتمامه الكامل بنشر التعليم على جميع المستويات بإنشاء المدارس الدينية وإنشاء الجامعة العباسية وهي جامعة إسلامية في عام 1925م .وكان يرغب بجعلها على مستوى الأزهر في القاهرة وخصص زمالات دراسية للطلاب المتفوقين في الولاية وأوفدهم للدراسة في مختلف أرجاء الهند وخارجها على نفقة الحكومة ليتعلموا العلوم الفنية والطبية وجعل التعليم مجانا لأبناء الأسرة المالكة. وللسادة "آل البيت" واليتامى والمستحقين. ولم ينحصر نشاطه على نشر التعليم في ولاية بهاولبور، بل قدم المساعدات للهيئات التعليمية الإسلامية كافة في الهند مثل جامعة "عليكار" الإسلامية و"انجمن حماية الإسلام" ودار العلوم في لافا وديوبند والكثير غيرها كمنح دراسية من ولاية بهاولبور. وكلما وجهت له الدعوة قام بترأس حفلات التخرج السنوية في هذه الهيئات وكان يعتبر بطلا للتعليم الإسلامي في الهند.
وعندما جرى تقسيم شبه القارة في عهد الأمير صادق محمد خان العباسي عام 1947م كان عدد الولايات الأميرية 562تنتشر على مساحة تساوي ثلث مساحة أراضي الهند. وكان يقطنها ربع سكان الهند، ولكنها لم تكن جزءا من الجهاز الإداري في الهند البريطانية. وعند التقسيم تركت الحكومة البريطانية الأمر على الولايات بأن تقرر بنفسها ما إذا كانت تريد الاستقلال أو الانضمام إلى الهند أو إلى باكستان.
وعلى الرغم من ان البانديت جواهر لال نهرو قد أقنع الأمير على الانضمام إلى الهند، عارضا عليه فوائد مغرية فإن الأمير بصفته مسلما جيدا يحرص على مصلحة الأمة الإسلامية قرر الانضمام إلى باكستان وكانت ولاية بهاولبور العباسية أول ولاية تنضم إلى باكستان في 5اكتوبر عام 1947.وفي عام 1955م انضمت الولاية إلى باكستان الغربية وهكذا انتهى العهد العباسي المجيد في بهاولبور.
وبناء على ما قاله العميد المرحوم نذير على شاه "إنها كانت بمثابة تضحية الشهادة بالنسبة للولاية، إذ ان التخلي عن السلطة طواعية لأجل خير الأمة كان من أفضل انواع الشهادة. إن انضمام ولاية بهاولبور إلى باكستان يدل على نهج الشهادة".
ومجمل القول ان تاريخ العصر العباسي في بهاولبور هو تاريخ الإسلام في الهند فلو لم تكن هناك ولاية بهاولبور لنجحت قوات رنجيب سنغ في احتلالها ولو احتلتها الطائفة السيخية لكان مصير مسلمي الهند، كمصير اخوانهم في اسبانيا.
.. لقد بقيت بهاولبور بشكل مثير للدهشة وكأنها قطعة من العراق...
هذا ما كتبه المستر ستيفنز في المجلة الجغرافية التي تصدر في لندن.. وفيما يتعلق بهذه الولاية فإن الرأي المقتبس أعلاه هو رأي حقيقي بكل معنى الكلمة.
وتقدم لنا المنطقة التي تشغل ولاية بهاولبور وضعا ممتازا لبحوث تاريخية تتعلق بتحويل بهاولبور إلى عراق ثان.
وبسبب الزي الذي يرتديه سكان بهاولبور، واختيارهم للألوان، وفنهم الشعبي، وأغانيهم، أو بالنسبة لمسألة طعامهم وإيمانهم فهم أقرب إلى العراقيين منهم إلى الهندوس الذين يجاورونهم.
ولدى وصولهم إلى هذا البلد من العراق، فإن أسلاف هذا الشعب أخذوا يتنقلون من مكان لآخر مثل البدو العرب. ومثل العرب أيضا فهؤلاء الناس يحبون إبلهم
وخيولهم، كما يعتزون بقبائلهم. انهم يتشاجرون على نصيبهم من المياه كما يفعل العرب أيضاً.
وبدلاً من ارتداء البرقع ترتدي نساء بهاولبور الحجاب مثل اخواتهن العربيات، ولا تزال نساؤهم ترتبط بمواقدهن ومنازلهن.
وكما هو شأن بعض القبائل العربية يعد الزواج من ابن العم أو ابنة العم عادة في بهاولبور.
وفي نهاية المحاضرة كان لبعض الحضور مداخلات واسئلة أجاب عليها الدكتور رحيم.
جدير بالذكر ان المحاضر هو من سلالة الحكام العباسيين في بهاولبور.
المصدر: جريدة الرياض - السبت 28 ذو الحجة 1423العدد 12671 السنة 38
http://www.alriyadh.com.sa/Contents/01-03-2003/Mainpage/Thkafa_4579.php
تاريخ الإدخال : 12 يناير2004 م