عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سالم بن عبد الله بن يعقوب بن يوسف بن علي بن طراد العباسي الزينبي- و ابنه عمر
ولد بحورة ولم أقف على تاريخ ولادته ولكن من المؤكد أنه عاش في أول القرن التاسع الهجري وآخر القرن الثامن، فقد ثبت أنه لزم وصحب كثيرا من العلماء كلهم عاشوا في هذين القرنين. بدأ دراسته الدينية واللغوية في حورة على والده وأعمامه، ثم رحل للاستزادة من العلم إلى اليمن والحرمين الشريفين حيث لقي وأخذ عن جماعة كبيرة من مشاهير علماء اليمن والحجاز كما أخذ عن عدد من أقطاب الثقافة الإسلامية في العالم العربي ممن يردون إلى الحجاز أثناء موسم الحج.
وتذكر الرسالة التي اعتمدت عليها في بعض المعلومات هذه الترجمة من أساتذة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن في الحجاز الإمام عبد الله بن أسعد اليافعي اليمني ثم المكي والإمام المربى جمال الدين محمد بن سعيد كبن الطبري القرشي والشيخ محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الوهاب وأخيه عبد الواحد وفقيه المدينة ومحدثها أبو بكر المراغى وحافظ مكة الإمام محمد بن ظهيرة كما تذكر منهم الشهاب ابن العربي وتاج الدين السبكي والجلال البلقيني والجلال الاسنوي وذلك في زمن الحج وكذلك العلامة تقي الدين الحصني شارح أبي شجاع والشمس البرماوي والإمام أحمد بن العماد والشيخ الكازروني عالم المدينة وغير هؤلاء من العلماء الأعلام .
أما من أخذ عنهم من علماء اليمن فمنهم شرف الدين بن الصيف اليمني وشرف الدين المقري صاحب عنوان الشرف وجمال الدين الناشرى والعلامة مسعود بن سعد باشكيل وغيرهم. وللشيخ عبد الله بن عبد الرحمن -صاحب الترجمة- رسالة جمع فيها مشايخه اللذين أخذ عنهم وأسانيد أجارتهم له المتصلة بالإمام الشافعي مشايخه في علم الحديث المتصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد كانت رحلاته الكثيرة إلى الخارج لطلب العلم ولقاء العلماء وقراآته العديدة في مختلف العلوم والفنون وتوفر الكتب لديه في مكتبة أجداده بحورة كل ذلك كان من بين الأسباب لغزارة علمه وتوسيع أفقه الثقافي ومشاركته في علوم الشريعة والأدب والتاريخ واللغة والمنطق وغيرها، وقد ذكرت الرسالة التي أشرت إليها سابقا مجموعة كبيرة من الكتب التي قرأها صاحب الترجمة في مقدمتها كتب الأئمة أبي إسحاق والرافعي والنووي والغزالي والسهروردي في الفقه والتصوف كما ذكرت طائفة أخرى من كتب التفسير والحديث لا حاجة لذكرها هنا.
ولما عاد إلى حورة من رحلاته العلمية تفرغ لنشر العلم والتذكير بالله والاتصال بعلماء القطر الحضرمي وصالحيه، وكانت له زيارات متعددة إلى تريم والشحر وغيل باوزير وغيرها من مدن البلاد الحضرمية وقراها، وكانت له صلة صهارة بالعلامة الكبير السيد عمر المحضار ابن عبد الرحمن السقاف، فقد تزوج المحضار أخت صاحب الترجمة فاطمة بنت عبد الرحمن وعاش معها في تريم، كما كان صاحب الترجمة على صلة وثيقة بالعلامة الإمام عبد الله بن أبي بكر العيدروس وكان كثير الإعجاب به والتقدير له وله في مناقبه كتاب سماه تحفة النفوس في مناقب العيدروس، وقد أشار صاحب المشرع الروى في مناقب السادة آل باعلوي إلى هذه الصلة بين العيدروس والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن فقال ما نصه باحرف الواحد:- وكان الإمام العارف بالله محمد بن علي صاحب عيديد وتاج العابدين سعد بن علي والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن باوزير مع الاتفاق على جلالة قدرهم وعلو منصبهم ممن لازم صحبته وأخذ عنه طريقته- انتهى، أما السيد علي بن أبي بكر السكران فقد عدّه من بين مشايخه وذكر اجازته له سنة 843هـ.
وقد ذكر الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن في كتابه تحفة النفوس أن الشيخ عبد الله بن أبي بكر العيدروس قدم إلى حورة وهو أي العيدروس إذ ذاك صغير السن ( لان العيدروس ولد سنة 811هـ ) فنزل ضيفا عليه، وقال إن السيد العيدروس قرأ عليه عدة كتب وطلب منه عقد الصحبة و المواخاة على طريقة أهل التصوف من السلف فأجابه إلى ذلك.
وقد توفي الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بعد حياة كريمة مليئة بالشرف والفضل وكرم الأخلاق ونشر العلم والإحسان إلى الناس والدعوة إلى الله وترك عدة أولاد أشهرهم وأجلهم ابنه عمر بن عبد الله الذي سماه والده بهذا الاسم بإشارة من السيد عمر المحضار، ونحن ننقل هنا بتصرف من الترجمة التي أوردتها له الرسالة المشار إليها آنفا ما يكفي في التعريف به، قالت:-
ولد بحورة ونشأ بها وتعلم القرآن مع المعلم محمد باصادق، ثم حفظه وأتقنه على القرآت السبع تحت إرشاد والده وجماعة من الصلحاء والحفاظ، حتى كان يقال له المقرئ، ودرس علوم الشريعة على والده وأعمامه وغيرهم من كبار العلماء العارفين.
فقرأ على والده المنهاج للنووي والتنبيه لأبي إسحاق والعمدة لابن النقيب والمحرر للرافعي وجملة رسائل في علم التصوف، كما قرأ على والده أيضا كتاب الأحياء للإمام حجة الإسلام الغزالي وعوارف المعارف للسهروردي وقوت القلوب لأبي طالب المكي، وقرأ الأحياء أيضا على السيد عبد الرحمن بن أبي بكر العيدروس وعلى السيد عمر المحضار منهاج العابدين للغزالي، والمقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وكيمياء السعادة للغزالي أيضا، وعلى السيد أبي بكر بن عبد الرحمن السقاف بداية الهداية، وقرأ رسالة القشيري على الشيخ فارس باقيس وعلى السيد عبد الله بن أبي بكر العيدروس جملة رسائل في علوم الطريقة والحقيقة، وقد أجازه الجميع في العلوم والاذكار واذنوا له بالتدريس والإفتاء،
وكان كثير المطالعة في كتب التفسير والحديث، وإن كان جل مطالعته في كتب التصوف والرقائق
وكان الشيخ عمر من أكثر الناس احتمالا وأشدهم صبرا وأحسنهم صفحا وأوسعهم صدرا، إن قطع وصل وإن ظلم عدل وإن نصح فبالتي هي أحسن وإن وعظ أبكى وأحزن، وقد ابتلي بكثير من الحساد فصبر على أذاهم، وفي ذلك يقول تلميذه العلامة الشاعر الصوفي الكبير الشيخ عمر بامخرمة في مطلع قصيدة مثبتة في ديوانه المخطوط:-
إلى آخرها
وفي مطلع قصيدة أخرى:-
وفي هاتين القصديتين يشير الشيخ عمر بامخرمة إلى ما لقى الشيخ عمر باوزير من عداوة الحساد وصيره عليهم، وقد عده الشيخ عمر بامخرمة من كبار مشايخه الذين اعتمد عليهم في الطريق إلى الله، وكانوا أربعة من المشهورين بالتقوى والولاية ذكر ثلاثة منهم في إحدى قصائده وقال عن الرابع:-
يعني بذلك الشيخ عمر بن عبد الله باوزير .
وكان من أبرز أخلاقه الحميدة الكرم والسخاء، فكان يعطي الجزل ويداوم على البذل وينفق في جميع أوجه البر وخصوصا في الأوقات الفاضلة كرمضان والأعياد الدينية وأوقات المجاعة والإسنات، ويخص الفقراء والأيتام والأرامل والأرحام بمزيد من العناية، وربما وردت إليه أموال كثيرة فيأتي المساء وليس له منها العشاء.
روى خادمه أحمد بن صالح بازياد قال جئت أنا ووالدي ذات يوم قاصدين الشيخ عمر في وقت مجاعة والحبوب غير موجودة فوجدنا بيته غاصا بالضيوف والزوار وقلت لوالدي الأولى أن نعود فإن بيت الشيخ مزدحم(والوقت حان والطعام غير موجود) وبقيت أحسن لوالدي الرجوع ونحن في أشد الفاقة، فإذا بسيدي عمر يدعونا للدخول ويقول: تعالوا احضروا مجلس المحبين، وما عليكم من باقي الأمور فهي صالحة، فدخلنا عليه وهو يتحدث مع أضيافه فرحا مستبشرا، فقلت في نفسي: سبحان الله، الشيخ في هذه الأوقات الحرجة يضحك وأنا عالم بحاله. فأنشدنا:-
فقلت زدني يا سيدي. قال: أما سمعت قول الشاعر؟قلت وماذا قال؟ قال سأكتب لك في قرطاس حتى لا يسمع أحد، فكتب:-
ولم نلبث كثيرا حتى قدم الأكل وهو من البر والذرة والرز واللحم فأكلنا مع الأضياف حتى شبعوا وشبعنا، ثم قلت للشيخ : ليس المحل جديبا، ولكنه خصيب ووجهك أخصب منه، فقال: الحمد لله الذي تفضل على عباده بالنعم وأراد منهم الشكر، ثم تكلم حتى بكى وأبكى. انتهى.
وكان الشيخ عمر ذا جاه واسع لدى كثير من قبائل الجهة الحضرمية، وكلمة نافذة عند عاهل حضرموت الكبير في القرن العاشر الهجري السلطان بدر أبي طويرق الكثيري، وقد حدث سنة 937هـ أن جملة فخائذ من بني هلال في مدينة هينن ومصنعتها المسماة (فرحة) يقال لهم آل النمر وآل الفشر وآل باقار وآل العمري وغيرهم، ومن مذحج ونهد، كانوا ينهبون رعايا السلطان أبى طويرق ويتحرشون به فغزاهم أبو طويرق بجيش كبير قوامه ألف جندي من الخيالة والهجانة والرجالة ودامت الحرب مدة انتهت بهزيمة أعداء السلطان وانكسارهم، فالتجأوا إلى الشيخ عمر بن عبد الله وطلبوا منه أن يتوسط لدى أبي طويرق في عقد معاهدة بينه وبينهم يعلنون فيها طاعتهم له على أن يبقيهم في محلاتهم ومنطقتهم.
واتصل الشيخ عمر بالسلطان فوافق على إعطائهم الأمان، ولكنه رأى أن بقائهم مجتمعين في محل واحد خطر يهدد كيان السلطنة الكثيرية، وعرض على الشيخ عمر أن يقنعهم بوجوب التفرق من هينن إلى محلات أخرى فقبلوا، وتم الصلح على ذلك.
وأراد السلطان أبو طويرق أن يكافئ الشيخ عمر على صنيعه هذا ومجهوداته في هذا السبيل مكافأة مادية فرفض وطلب من السلطان أن يأمر برفع جميع العشرات الحكومية عنه وأن لا تؤخذ منه زكاة، بل يتولى توزيعها هو بنفسه، وان تقبل شفاعته هو وأولاده في كل من يحبس في مصنعة هينن فأجابه السلطان إلى ذلك وكتب له وثيقة بما طلب هذا نصها:-
بسم الله الرحمن الرحيم
{ ألا ان أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم }. أما بعد فليعلم الواقف على هذه الرقعة المحررة بأن سيدي ومولاي وملاذي وملجأي وعمادي الشيخ الأجل الفاضل الولي الكامل العالم العامل الشيخ عمر ابن الشيخ الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن ابن الشيخ الكبير أبي بكر بن محمد بن سالم باوزير مجللا ومكرما و محشما ومعظما ومجبرا في جميع أملاكنا بحرا وبرا هو وأولاده وذريته من يومنا هذا إلى يوم الدين، ليس عليهم عشر ولا زكاة ولا شئ من القوانين التي للديوان في طالع ونازل من البحر والبر، ولا يفرق عليهم الفارق ولا يحرسهم الحارس ولا يطوف عليهم الطائف، بل مجبرين في جميع أملا كنا بحرا وبرا من كل ما هو للديوان من القوانين والقواعد المعتادة، وكذلك لهم الشفع في كل من حبس في مصنعة هينن شفاعتهم غير مردودة، ومن تعدى أو خالف جميع ما ذكر فلا يلوم إلا نفسه ولا ينال إلا خسره وبخسه. قال ذلك وأملاه وأقر به الفقير إلى الله
بدر بن عبد الله بن جعفر الكثيري
والله الشاهد على ما أقول والحسيب. وكتبه بيده
وفي هذه الوثيقة توقيعات سبعة من الشهود هم عمر بن عبد الله بامخرمة وعبد الصمد باكثير وأحمد بن عبد الله باكثير وأحمد بن سهل بن إسحاق ومحسون بن عامر بن إسحاق وعبد الله بن أحمد باجسير وأحمد بن ليث باجابر.
وللشيخ عمر شعر شيق يكتبه باللغة الدارجة القريبة من الفصحى، من هذه الأبيات من قصيدة طويلة قالها بمناسبة تجمع وإلى المخينيق علي بن ظفر وأهل السور والمقاريم والظلفان لمعارضته في عمارة ضمير (الضمير في عرف أهل حضرموت السد يقام في مجرى السيل للتحكم فيه وتحويل الماء إلى الأرض التي يراد سقيها) حورة، وقد انتصر للشيخ عمر أتباعه من نهد ونشبت معركة حربية بين الفريقين انتصر فيها الشيخ عمر وفي ذلك يقول:-
إلى أن قال:-
المصدر : الجزء الثامن من من كتاب " صفحات من التاريخ الحضرمي " للشيخ سعيد عوض بن طاهر باوزير العباسي
الطبعة الأولى - مطابع دار الكتاب العربي بمصر 1373 هـ - 1954 م
المصدر إهداء من : سعيد محمد باعبود باوزير
تراجم لبعض الأعلام من أجداد آل باوزير
***
يعقوب بن يوسف بن علي بن طراد العباسي الزينبي
محمد بن سالم بن عبد الله بن يعقوب - مولى عرف
عبد الرحيم بن عمر بن محمد بن سالم - مؤسس مدينة غيل باوزير
عبد الرحيم بن سعيد بن عبد الرحيم بن عمر بن محمد بن سالم - صاحب الطرائق
عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سالم - و ابنه عمر
تاريخ آخر تحديث للصفحة :
23-01-2004