أنت هنا

بنو العباس

الخلافة العباسية

كتاب الدعوة العباسية و دور العرب فيها - د. إكرام محمد إبراهيم الحجيلان - مقدمة كتاب

 

" المقدمة

الحمد لله رب العالمين ... والصلاة والسلام على إمام الأنبياء وخاتم المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين.

وبعد ...

فقد بايع العباسيون بني أمية فور تولي معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه – مقاليد الخلافة ، وظلت العلاقة على ما يرام بين هذين البيتين طوال العهد السفياني وشطراً من العهد المرواني ، حتى تزوج علي بن عبد الله مطلقة عبد الملك فانفتحت أبواب العداوة بين البيتين. وجاء سليمان بن عبد الملك فاتهم علياً بقتل أخيه سليط ، فأغرمه وضربه وأخرجه من دمشق إلى الحميمة*.

وكان طبيعياً أن يزيد هذا العمل من سليمان العلاقة بين البيتين وهناً على وهن ، وأن يغري العباسيين بالنيل من بني أمية ، والسعي الجاد لإزالة سلطانهم وإسقاط دولتهم.

وجاء عمر بن عبد العزيز ، فنشر العدل ، وطارد الظلم ، وبسط رواق الحرية أمام المسلمين.

وانتهز العباسيون هذا المناخ الطيب واعتبروه فرصة لم يدعوها تفلت من أيديهم. فبدؤوا دعوتهم في العام المكمل للمائة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم-، وكانوا من الذكاء والدهاء السياسي بمكان ، فأحسنوا اختيار المكان والزمان ، وأحسنوا اختيار المساعدين والأعوان ، وخططوا لدعوتهم تخطيطاً عبقرياً بالغ العمق والدقة.

وقد مرت دعوتهم هذه عبر ثلاثة : وكانت أولاها سرَّيَّة ، وكانت الثانية جهرية ، أما الثالثة والأخيرة فكانت للحرب والضرب وانتزاع ما تحت أيدي الأمويين بالقوة.

وفي خلال اثنتين وثلاثين سنة من العمل الجاد والكفاح المتواصل استطاعوا أن يدركوا الهدف ، ويبلغوا الغاية ، ويقيموا لأنفسهم خلافة ظلت ألويتها خفاقة على العالم الإسلامي أكثر من خمسمائة سنة.

ولخطورة هذا الموضوع وأهميته ، فقد تناولَتْه أقلامٌ كثيرةٌ من الشرق والغرب غير أنها لم توفه حقه من البحث والدرس والاستقصاء.

والسبب في هذا هو أنها لم تتناوله بطريقة أكاديمية تبسط الروايات وتحللها، وتوازن بينها وتصدر أحكامها التاريخية على أسس العلم وقوانين المنطق.

وهذا هو أحد الأسباب التي من أجلها اخترت هذا الموضوع ، وثم أسباب أخرى كثيرة منها :

إماطة النقاب عن أسرار دعوة بني العباس ، والتخطيط العبقري الذي وضعوه لها.

ومنها الرغبة في أن أثبت للذين يتحاملون على العرب ، ويدَّعون أنهم لا يملكون القدرة على إقامة الدول ، وإنشاء الممالك عكس ما ذهبوا إليه.

ومنها أنني أريد أن أثبت بالدليل أن العباسيين قد راعوا الدين في كل خطوة من خطوات هذه الدعوة ، ولم تكن الغاية عندهم تبرر الوسيلة ، وإبطال ما يدعيه المستشرقون من أن الدين لم يكن شيئاً أساسياً في إدارة شؤون دعوتهم.

وثم سبب خامس لا سبيل إلى إغفاله ، ولا أغض الطرف عنه وهو إثبات أن ما أسهم به العرب في الدعوة العباسية لم يكن أقل مما أسهم به الفرس فيها. وذلك عكس ما هو معروف من أن هذه الدعوة قد قامت على كواهل الموالي وبسواعدهم وسيوفهم.

ولكي أسير في جمعي لمادة هذا الموضوع وكتابته سيراً سليماً لا عوج فيه ولا انحراف ، فقد وضعت لنفسي منهجاً وألزمتها بأتباعه قدر الاستطاعة ، فاقتصرت في جمعي للمادة على المصادر الأصلية والوثيقة الأقرب منها إلى الأحداث فالأقرب.

وقدمت المصادر المعتمدة على الطرق والأسانيد على غيرها مما ليست لها هذه الميزة الهامة.

ولم أجمع مادتي من هذه وتلك كيفما اتفق ، وإنما أنعم النظر في الروايات المختلفة ، والأخبار المتعددة وأختار منها ما كان أدنى إلى الحق ، وأقرب إلى الصواب والصدق.

ولا أكتفي بهذا وحسب ، ولكنني أنسب الكثير من الروايات إلى رواتها والأخبار إلى قائليها ، وذلك حتى يسهل عليَّ الترجيح بين خبرٍ وخبر ، وبين رواية ورواية.

وبالنسبة للمراجع والكتب الحديثة ، فإنني لا أرجع إليها في التأريخ للحوادث ولكن بإيثار رأي على رأي ، وترجيح وجهة نظر على أخرى. فإن بعض هذه الكتب قد لا تتوخى الدقة ، بل ولا الأمانة في تسجيلها للحوادث ولا في تحديد أزمنتها وأمكنتها.

وفي مرحلة الكتابة فإني قد اعتمدت على بسط الروايات ، ومقارنة بعضها ببعض ، وإصدار الحكم التاريخي بناء على هذا العرض وهذه المقارنة والموازنة.

ووقفت طويلاً أمام آراء المستشرقين ومن نسجوا على منوالهم لإظهار ما فيها من التجني والافتراء ، ومناقشته في إنصاف وحيدة وإبداء رأيي بعد هذا كله مشفوعاً بالحجة ومدعوماً بالدليل.

وفي ترتيبي لمصادري في هوامش البحث ، توخيت أن يكون وفقاً لوفاة المؤلفين ، وذلك حتى يعرف القارئ وفي سهولة أي هذه المصادر أقرب إلى ساحة الأحداث ، وأيها أبعد.

ولم أدع في الأصل مدينة ولا قرية إلا وأكتب عنها إلماعة موجزة حتى يكون القارئ على علم بالأمكنة التي وقع فيها الحدث الذي أؤرخ له. ونسجت على هذا المنوال نفسه بالنسبة للأشخاص ، فترجمت لكل شخصية تمر في المتن معتمدةً على أوثق المعاجم المتخصصة في هذا المجال. وحتى الأشخاص الذين لم أعثر على ترجمة لهم في المصادر التي تحت يديَّ ، فإني أكتب لها ترجمة مما كتبته عنها كتب التاريخ.

وهدفي من هذا هو : أن يعرف المطَّلع على هذا البحث قيمة الأشخاص الذين أكتب عنهم من جهة ، ومدى تأثيرهم في الأحداث التي أؤرخ لها من جهة ثانية.

وبالنسبة للأسلوب الذي كتبت به هذا البحث ، فإني قد آثرت أن يكون سلساً رقيقاً حلو العبارات . وذلك لأن الأساليب العلمية الجافة تصرف القارئ عن المتابعة ، وتجعل الملل يتسرب إليه ، ولَّما يقطع غير جزء يسير منه.

ويبقى التخطيط لموضوع هذا البحث وهو يشتمل على مقدمة وأربعة فصول، وخاتمة.

فأما المقدمة فقد ضمنتها ثلاث نقاط وهي :

1 – أسباب اختياري لموضوع البحث.

2 – المنهج الذي ألتزمته في جمع مادته وكتابته.

3 – المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها في التجهيز له ثم إخراجه.

وأما الفصل الأول : فقد جعلت له العنوان التالي : (العلاقة بين الأمويين وبين الهاشميين ، والعباسيين حتى بدء الدعوة).

وقد ضمنته ثلاث فقرات . وهي :

1 – العلاقة بين الأمويين والهاشميين في الجاهلية وعصر الرسول ، صلى الله عليه وسلم .

2 – العلاقد بينهما في عصر الراشدين رضي الله عنهم.

3 – وأخيراً العلاقة بينهما حتى بدء الدعوة.

والفصل الثاني وعنوانه : (مراكز الدعوة العباسية وجهازها السِّرِّي) وهو يحتوي على فقرتين أساسيتين :

1 – مراكز الدعوة وهي : الحميمة – والكوفة – وخراسان – والحجاز.

2 – جهازها السري : ويتضمن الحديث عن الإمام ونوابه في كل من العراق وخراسان ، والدعاة السبعين ونقبائهم الاثني عشر.

ويبقى الفصلان الثالث والرابع : فأما الثالث فعنوانه : (المرحلتان السرية والعلنية من الدعوة العباسية) ويتضمن نقطتين :

1 – المرحلة السرية من الدعوة.

2 – المرحلة العلنية.

والفصل الرابع وعنوانه (مرحلة الفتح وقيام الدولة العباسية) ويحتوي ثلاث نقاط وهي :

1 – الفتح.

2 – وقيام الدولة.

3 – ومبايعة أبي العباس السفاح.

وتبقى النقطة الثالثة في هذه المقدمة وهي : المصادر والمراجع التي استقيت منها مادة هذا البحث ، وقد رجعت فيه إلى مصادر شتى ، ومراجع متعددة تربو على السبعين ، غير أن الكتب التي قرأتها ليست في منزلة واحدة ولا هي ذات قدر واحد ، وإنما هي مختلفة فمنها الأهم والمهم ، ومنها المعاصر للأحداث والأكثر معاصرة لها ، ومنها ما اعتمدت عليها بصفة أساسية ومنها ما اعتمدت عليه عندما لم يسعفني غيره ، وما لم أعتمد عليه إلا في ترجيح رأي على رأي ، أو وجهة نظر على أخرى مخالفة لها.

ولهذا فإنني سوف لا أعرِّف بكل ما ورد من هذه المصادر في هوامش هذا البحث، وإنما سأقصر هذا التعريف على الأساسي منها والأصيل دون غيره.

أما الكتب الحديثة فإني سوف لا أعتمد عليها قط في التأريخ للأحداث وإنما سوف أستعين بها في عرض آراء الباحثين المختلفة وإيثار البعض منها على البعض الآخر.

وقد كان اعتمادي بعد القرآن الكريم على :

تاريخ الرسل والملوك لأبي جعفر بن جرير الطبري.

وقد ولد هذا المؤرخ في العام الرابع أو الخامس والعشرين بعد المائتين، وتوفي في العام العاشر بعد الثلاث مائة.

وبدأ حياته هذه الطويلة بحفظ القرآن الكريم ، ثم راح يضرب في كل جانب من جوانب العلوم التي كانت سائدة في عصره حتى برز فيها ، وبلغ الإمامة والصدارة في الكثير منها . وقد تحدث عن نفسه فقال : حفظت القرآن لسبع ، وصليت بالناس لثمان ، ورآني أبي في منامه بين يدي النبي – عليه الصلاة والسلام - ، وأنا أرمي بحجارة من كيس لي فأوَّل المؤولون ذلك بأني سوف أذب عن ديني ، وأدافع عن شريعتي.

وقد تحققت هذه الرؤيا فكان الطبري إماماً في التاريخ والفقه ، وإماماً في الحديث والتفسير.

وكتابه الذي أعرِّف له هو تاريخ (الأمم والملوك) أو تاريخ (الرسل والملوك) وقد انتظم هذا الكتاب التاريخ من لدن آدم – عليه السلام – حتى العام الثاني أو العاشر بعد الثلاث مائة على خلاف في ذلك بين الباحثين.

وقد جمع الطبري في هذا الكتاب أنقى وأصدق ما عرفه العلماء إلى عصره في التاريخ معتمداً في كل مرحلة من مراحله على أوثق رواتها ، وأصدق طرقها وأسانيدها ، وتميز دون غيره بأمور :

منها : أنه قد استقى معلوماته من رواة شتى ، ومدارس مختلفة ، وكان يروي الحادثة الواحدة بطرق كثيرة تعين على المقارنة والموازنة ، وإصدار الحكم التاريخي الصائب بعد ذلك.

ومنها : أنه لم يكن يروي عن كل من اتفق له ، وإنما كان ينتفي ويتميز ، ولا ينقل عن الأعم الأغلب إلا عن العدل الثقة المعروف بين العلماء بالحفظ والضبط.

ومنها : أنه لم يكن يعلق على الحوادث بتصويب أو بتفنيد ، وإنما كان يترك هذا لمن يأتي من بعده حتى يرجح في طمأنينة وحرية ، ولم يجمع الباحثون على شيء ما أجمعوا على أن كتاب الأمم والملوك هذا الذي حفظ لنا تاريخ الدولة الأموية منذ قيامها في العام الحادي والأربعين حتى سقوطها في العام الثاني والثلاثين بعد المائة.

وأنه لولاه لَلَفَّ الظلام الدامس تاريخ هذه الحقبة ، وهذا هو أحد الأسباب الذي من أجلها آثرته على غيره ، وقدمته على ما سواه من المصادر التاريخية كافة. وقد أفادني هذا الكتاب في بحثي كله من بدايته حتى نهايته.

فقد جمعت ما رواه الطبري حول دعوة بني العباس ودرسته دراسة متأنية مقارنة وموازنة بين الطرق الثلاثة التي نتناول من خلالها الدعوة العباسية وهي : طريق المدائني ، وطريق لم يسمِّ رواته.

هذا بالإضافة إلى ما أسنده هو إلى نفسه ، ووازنت هذا كله بعضه ببعض في كل قضية احتواها هذا البحث تقريباً .

والمصدر الثاني هو (تاريخ اليعقوبي) :

واليعقوبي هو أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب العباسي المعروف باليعقوبي.

وهو من أول المؤرخين المسلمين الذين كتبوا في الدول وفي العهود ، وكان معاصراً للطبري ، وهو مؤرخ ورحالة ، وكتابه في التاريخ يتألف من جزأين :

الأول : في التاريخ القديم ، عبَّر فيه عن فكرة التاريخ العالمي في العصور السابقة على الإسلام ، وفي التاريخ الإسلامي حتى سنة (259هـ) متتبعاً في كتابه التسلسل التاريخي للأحداث.

ويبدأ في هذا الجزء بالخليقة ، وتاريخ الأنبياء ، وتاريخ الفرس القديم ، وتاريخ العرب في الجاهلية ، وتاريخ البابليين والآشوريين والهنود واليونان والروم ، وتاريخ المصريين والبربر والأحباش ، والزنوج والترك والصينيين.

والثاني : أفرده للتاريخ الإسلامي ، ورتبه حسب الخلفاء مع مراعاة تسلسل الأحداث على السنين ، فبدأ بمولد الرسول r ومغازيه حتى وفاته ، ثم تتبع تاريخ الخلفاء حتى المعتمد العباسي.

ومع أن تاريخ الطبري ، وتاريخ اليعقوبي قد انفردا عن غيرهما من الكتب المعاصرة لهما بتسليط الأضواء الكثيرة على الدولة الأموية منذ قيامها في العام الحادي والأربعين حتي سقوطها في العام الثاني والثلاثين بعد المائة من هجرة النبي - r - ، فإن تاريخ الطبري قد امتاز عليه بذكر الطرق والأسانيد عند رواية كل حدث ، بينما اكتفى اليعقوبي بذكر الذين اعتمد عليهم في بداية تاريخه.

وقد أفادني هذا الكتاب كثيراً ، لأنه كان يروى الحوادث ويصورها بلسان الشيعة أنفسهم حيث إن اليعقوبي كان ذا نزعة شيعية واضحة.

وقد كنت أوازن بين ما جاء فيه ، وما جاء في تاريخ الطبري ، وأصل من وراء هذه الموازنة إلى الحكم التاريخي الذي إن لم يكن هو الصواب فإنه يقاربه.

والمصدر الثالث هو (الأخبار الطوال) :

لأبي حنيفة أحمد بن داود الدينوري ، وقد ولد هذا المؤرخ في العقد الأول من القرن الثالث الهجري بمدينة دينور ، من أعمال العراق العجمي ، ونشأ في أسرة من أصل فارسي ، وقد عاش معظم حياته في مدينة دينور ، وأمضى شبابه في الرحلات ، وقادته خطواته إلى قلب الحضارة العربية في بلاد ما وراء النهرين دجلة والفرات ، ثم امتدت به أسفاره إلى المدينة المنورة ، وإلى الأرض المقدسة فلسطين ، وإلى شواطئ الخليج العربي فعاش فيها أزماناً طالت أو قصرت ، ولكنها تركت في نفسه ذكراً وفي فكره علماً.

وقد أخذ أبو حنيفة دروسه عن البصريين والكوفيين ، وتتلمذ في فقه اللغة على النحوي الكوفي ابن السكيت ، وعلى أبيه من قبله ، ودرس معارف كثيرة ، وكان مفتناً في علوم النحو واللغة والهندسة والهيئة والحساب ، ثقة فيما يرويه وما يمليه.

وقد كانت لأبي حنيفة عدة مؤلفات قيمة حظيت بعناية رجال التراجم قديماً وحديثاً ، وقد دونوا قائمتها في كتبهم وفي مصنفاتهم ، وبلغت جملتها عشرين كتاباً حققها المستشرق فليجل ، وقد ذكرها القفطي في كتاب أنباه الرواة على أنباء النحاة، ومن أهم هذه الكتب كتابه (الأخبار الطوال).

وقد راعى أبو حنيفة في كتابه هذا التسلسل الزمني في التاريخ ، ولكنه انتقى الأخبار وفقاً لمفهوم خاص في التاريخ العالمي ، فتوسع في الحوادث والحركات التي اختارها مما جعل أقرب إلى أن يكون سلسلة أخبار يلتصق بعضها ببعض لتتوازن مع التاريخ الإيراني.

واهتم بتاريخ الرسل كثيراً ، وهو يقدم صوراً متوازنة لتاريخ اليمن والجزيرة وبيزنطة، ويتوسع في تاريخ فارس ، وبعد الإسلام يمر بفترة الرسالة المرور السريع ليركز اهتمامه على تاريخ العراق وإيران.

ومنهج أبي حنيفة أن يهمل الأسانيد الطويلة ، ويؤثر السرد الروائي المتصل مقحماً فيه الكثير من الشعر حتى لقد تتبادل الفرق والأحزاب الرسائل عنده شعراً.

وقد استفدت من هذا الكتاب استفادة كبيرة حيث إنه يميل وجهة النظر الفارسية بالنسبة للدعوة العباسية.

كما أن هذا الكتاب قد أمدني بالكثير من المعلومات الهامة والقيمة فيما يتصل بالدعوة العباسية ، والرجال الذين قاموا بها ، والتطورات والأحداث التي ارتبطت بالدعوة وبتلك الفترة التي قامت بها.

 

والمصدر الرابع هو (جمهرة أنساب العرب) :

 

والمصدر الرابع هو (جمهرة أنساب العرب) :

لأبي محمد بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف ابن معدان بن سفيان بن يزيد الفارسي ، مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب ، القرشي الولاء ، الأندلسي الدار.

ولد بقرطبة من بلاد الأندلس في شهر رمضان سنة (384هـ) وكانت وفاته لليلتين بقيتا من شهر شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة. وقيل : إنه توفي في منت ليشم ، وهي قرية كانت ملكاً له ، وكان يتردد إليها كما ذكر ابن خلكان.

وقد عمل ابن حزم وزيراً للخليفة المستظهر بالله عبد الرحمن بن هشام، ثم وزيراً للخليفة هشام المعتمد بالله بن محمد بن عبد الملك الناصر ثم نبذ الوزارة وأقبل على العلم فطلبه أشد ما يكون الطلب.

وكان حافظاً لعلوم الحديث وفقهه ، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة ، ضارباً بسهم وافر في المعرفة بالسير والأخبار.

وسمع ابن حزم سماعاً جماً ، وجمع من الكتب شيئاً كثيراً ، وألف قدراً كبيراً في مختلف العلوم لم يصل إله أحد قبله فيه ، إلا ما كان من أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ، فإنه كان أكثر أهل الإسلام تصنيفاً.

وقد درس في أول أمره فقه المالكية ، كما قرأ الموطأ ، ثم درس مذهب الشافعي وتعصب له ، ثم انتقل بعده إلى مذهب داود بن علي بن خلف (الظاهرية) الذي كان أكثر الناس تعصباً للشافعي.

وقد عمل ابن حزم على تنقيح مذهب داود ، ثم اتخذ لنفسه مذهباً خاصاً وأقوالاً تفرد بها.

وقد قرأ ابن حزم على أبي عمر أحمد بن الحسين ، ويحيى بن مسعود ، ويونس بن عبد الله القاضي ، ومحمد بن سعيد بن ساني وعبد الله بن الربيع التميمي ، وعبد الله بن يوسف بن تامي وغيرهم.

وروى عنه أبو عبد الله الحميدي صاحب (جذوة المقتبس) فأكثر الرواية عنه ، كما روى عنه بالإجازة سريج بن محمد بن سريج المقبري، فكان خاتمة من روى عنه ونشر علمه بالمشرق.

ويعد كتاب جمهرة أنساب العرب من أوسع كتب النسب وأحفلها وأدقها مع الإيجاز والاستيعاب.

وقد استفدت من هذا الكتاب كثيراً بالنسبة للتثبت من نسب الأشخاص الذين ورد ذكرهم في هذا البحث ، وقبائلهم ، وخاصة نقباء الدعوة الأثنى عشر والذين لم أجد لهم ترجمة في أي كتاب آخر غير هذا الكتاب.

والمصدر الخامس هو (كتاب الطبقات) :

لأبي محمد بن سعد بن منيع البصري الزهري المكنى بأبي عبد الله ، وكل ما جاء في المصادر عنه أنه ولد سنة (168هـ) بالبصرة ، فنسب إليها ، وارتحل إلى بغداد وأقام فيها ملازماً لأستاذه الواقدي يكتب له حتى عرف باسم كاتب الواقدي.

وقد ارتحل إلى المدينة والكوفة ، ومما لاشك فيه أن رحلته إلى المدينة قد كانت سنة (200هـ) فهو يذكر أنه لقي فيها بعض الشيوخ عام (189هـ) وفي أثناء حله وترحاله ، كان شغله الشاغل هو لقاء الشيوخ ، وكتابة الحديث وجمع الكتب ، ولذلك اتصل بأعلام عصره من المحدثين فروى عنهم وقيد مروياتهم ، وأفاد منها في تصنيف كتبه حتى وصف بأنه كان كثير العلم ، كثير الحديث والرواية ، كثير الكتب.

وهذا الحديث يدل على أن نشاطه لم يقف به عند تأليف الطبقات ، وإن كانت المصادر لم تذكر له من المؤلفات إلا كتابين آخرين – عدا الطبقات الكبير- وهما كتاب (الطبقات الصغير) وهو مستخرج من المؤلف الأول ، وكتاب (أخبار النبي) وهو الكتاب الوحيد الذي ذكره ابن النديم وربما لم يكن هذا الكتاب سوى الجزأين الأوليين من الطبقات الكبرى ، أي أن الكتب الثلاثة في حقيقتها كتاب واحد، وتسكت المصادر عما سوى ذلك مؤلفات.

وأستطيع أن أقول إن محمد بن سعد كان على اتصال بأكبر رجال الحديث في عصره ، سواء أكانوا شيوخاً أم تلامذة ، ومن يطلع على الطبقات يجد له منهم شيوخاً كثيرين منهم : سفيان بن عيينه ، وأبو الوليد الطيالسي ، ومحمد بن سعد الضرير ، ووكيع بن الجراح ، وسليمان بن حرب ، والفضل ابن دكين ، والوليد بن مسلم ، ومعن بن عيسى وعشرات غيرهم.

ولو راجع القارئ تراجم هؤلاء الشيوخ في كتب الرجال لوجد معظمهم ممن لديه عدالته.

وهذا راجع القارئ تراجم هؤلاء الشيوخ في كتب الرجال لوجد معظمهم ممن لا يشك في عدالته.

وهذا ما يجعلني أعتقد أن المادة التي نقلها ابن سعد قد وجهت بالنقد الضمني لأنه تحري قبل نقلها أن تكون في الأكثر مأخوذة عن العدول والثقات.

وهذا الموقف هو الذي كسب لابن سعد تقدير معاصريه ومن بعدهم ، فكلهم تقريباً وثقوه وأثنوا عليه حتى قال فيه الخطيب البغدادي : "محمد بن سعد عندنا من أهل العدالة وحديثه يدل على صدقه ، فإنه يتحرى في كثير من رواياته".

وبعد فكتاب الطبقات الكبرى لابن سعد عمل أضخم مما أراد أن يخدم به علم الرجال وعلم الحديث ، فتحدث فيه عن الرسول والصحابة والتابعين إلى عصره ، مقتفياً خطى أستاذه الواقدي ، الذي ألف أيضاً كتاب (الطبقات) ، ويبدو أن عمل ابن سعد شمل رواية الواقدي نفسه في السيرة والتراجم مضافاً إليها روايات أخذها عن غير الواقدي في السيرة والتراجم أيضاً.

وبعد أن انتهى ابن سعد من كتابه هذا في أكثر الجزأين الأوليين من سيرة الرسول r أضاف فصلاً عن الذين كانوا يفتون بالمدينة في عهد النبي - r - ثم أخذ يترجم للصحابة والتابعين ، فشغل بذلك جميع الأجزاء الباقية من كتابه ما عدا الجزء الأخير الذي خصصه النساء.

وقد راعى في التراجم عنصرين : عنصر الزمان ، وعنصر المكان. أما عنصر الزمان فقد تدخل في بناء الطبقات من أولها إلى آخرها ، وكانت السابقة إلى الإسلام هي المحور الأكبر فيه ، سواء اتصلت بالهجرة إلى الحبشة وموقعة بدر أولاً إلى غير ذلك من النقط الزمنية التي وجهت التقسيم في ذلك الكتاب.

ومن ثم بدأ بالمهاجرين البدريين ثم الأنصار البدريين ، ثم بمن أسلم قديما"ً ولم يشهد بدراً وإنما هاجر إلى الحبشة أو شهد أحداً ثم من أسلم قبل الفتح وهكذا.

وبعد هذا تدخل العنصر المكاني فأخذ يترجم للصحابة ومن بعدهم على حسب الأمصار التي نزلوها.

وقد استفدت من هذا المصدر والذي يعد من أهم كتب الطبقات في الترجمة لأغلب الشخصيات التي وردت في هذا البحث.

واستفدت كذلك من الأحداث التي أوردها في كلامه حولهم.

والمصدر السادس والأخير في هذا التعريف هو (معجم البلدان) :

للشيخ الإمام شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي ، ولا يعلم شيء عن تاريخ مولده ، وكل ما يعرف عنه أنه أخذ وهو حدث أسيراً من بلاد الروم ، وحمل إلى بغداد مع غيره من الأسري فبيع فيها ، فاشتراه تاجر اسمه عسكر الحموي ، فنسب إليه وقيل له : ياقوت الحموي . وكان الذي اشتراه جاهلاً بالحظ ، فوضعه في الكتاب ليتعلم فينتفع به في ضبط أعماله التجارية ، فقرأ ياقوت شيئاً من النحو واللغة ، ثم احتاج إليه مولاه ، فأخذ يشغله بالأسفار في المتاجرة. ولم يمض زمن حتى أعتقه وأقصاه عنه. فطفق ياقوت يكسب رزقه بنسخ الكتب فاستفاد بالمطالعة علماً.

ثم سافر إلى حلب ، وجعل ينتقل من بلد إلى آخر حتى استقر في خوارزم فمكث فيها إلى أن أغار عليها جنكيز خان سلطان المغول سنة (616هـ).

وقد استفاد برحلاته الكثيرة فوائد جغرافية عديدة سنحت له تأليف هذا الكتاب الذي لا يعد معجماً جغرافياً فقط ، وإنما هو أيضاً كتاب تاريخ وأدب ، ومصدر من أعظم المصادر التي ينبغي الاعتماد عليها في التعريف بالمدن.

ويتجلى في هذا الكتاب معرفة ياقوت الواسعة بالعالم وتجربته من خلال تجارته وأسفاره في أنحاء العالم الإسلامي ، فلقد زار مصر والشام والعراق وفارس، وبلاد ما وراء النهر.

ومع ذلك فياقوت يعتمد في معجمه على النقل من كتب الجغرافيا العربية وكتب التاريخ الموجودة في حوزته ، وهو أمين في نقله ، إذ ينسب ما ينقله من مادة جغرافية إلى مصادرها التي نقل منها.

ويمتاز معجم البلدان بتربية على حروف الهجاء مما يساعد على سهولة الانتفاع بمادته ، كما يمتاز باتساع مادته وغزارتها ، وبالجمع بين المادة الجغرافية والمادة التاريخية والأدبية.

وقد قدم ياقوت معجمه بخمسة فصول تناول فيها صورة الأرض ومعنى الإقليم ، والكورة ، والمخلاف ، والأستان ، والرساتيق والطسوخ ، والأجناد ، واصطلاحات جغرافيه : كالبرق ، والفرسخ وحكم الأرضين من حيث الفتح والخراج.

وقد استفدت من هذا المصدر القيم في التعريف بمعظم البلدان والمناطق التي وردت في هذا البحث من حيث الموقع والمساحة والأرتفاع.

وبعد ..

فقد أوضحت الأسباب التي من أجلها كان اختياري لموضوع هذا البحث ، والمنهج الذي ألتزمته في كتابه ، والمصادر التي اعتمدت عليها أو انتفعت بها في استقائي لمادته.

والله يعلم كم بذلت فيه من جهد ، وكم كرست له من وقت حتى بلغت الغاية، وحققت الهدف مستعينة بالله ، ومتوكلة عليه وقاصدة وجهه.

وقد عاونني في بحثي هذا أشخاص كثيرون لا أحصي أسماءهم ، فلهم مني الشكر والتقدير ، والابتهال إلى المولى القدير أن يثيبهم ثواب العاملين المحتسبين أجرهم عنده وثوابهم لديه.

وربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا ، فأنر لنا الطريق واهدنا سواء السبيل. "

 

* قرية في جنوب الأردن.

خاتمة

 

من تراث الأسرة