أنت هنا

ثقافة عامة و منوعات

د.ليندا بوكسبيرجر: علاقة حضرموت بالساحل دفعتني إلى بحث الهجرة الحضرمية عبر المحيط الهندي..

دردشة مع باحثة أمريكية

د. ليندا بوكسبيرجر: علاقة حضرموت بالساحل دفعتني إلى بحث الهجرة الحضرمية عبر المحيط الهندي..

بقلم: أكرم أحمد باشكيل

 

في الذاكرة تحتفر كثير من الأسماء التي ارتبطت بحضرموت من خلال أبحاثها و كتاباتها الانطباعية عن زياراتها لهذا الجزء من جنوب الجزيرة العربية و لعل المكان له من الأهمية ما يجعل مثل هؤلاء يتحملون عناء السفر و المخاطرة في سبيل معرفة المجهول من تاريخه مما يجعلنا محط اهتمام الرحالة و الساسة و المؤرخين و الاجتماعيين الذين وجدوا في أرفف مكتبات بلدانهم ما يحفزهم و يثير فضولهم للمعرفة و الإجابة عن كثير من الأسئلة التي جعلت من سكان هذه المنطقة رقما في أحداث كثيرة جرت في أوربا و أمريكا و جنوب شرق آسيا و إفريقيا فتعددت البعثات الرسمية و الشخصية و الرحلات السياسية و اهتمت مراكز بحثية متعددة و جامعات غربية في إرسال طلابها لإعداد بحوث تاريخية و اجتماعية عنها في مراحلها المتعددة و جعلتها من صلب مهام رسائلهم لنيل الماجستير و الدكتوراة.

و خلال الفترة من 1993م حتى 1997م قامت إحدى الباحثات الأمريكيات بأبحاث التاريخية الاجتماعية التي شملت "الهجرة الحضرمية الى جنوب شرق آسيا" و التي نالت بها رسالة الدكتوراه و خرجت على شكل كتاب بعنوان (على حافة الإمبراطورية-الهجرة الحضرمية و المحيط الهندي (1880-1930) و في لقاء مع الدكتورة (ليندا بوكسبيرجر) في بيت الأستاذ الباحث و المؤرخ/ عبد الرحمن عبد الكريم الملاحي عند زيارتها له في سبتمبر 2004م و هو أحد الذين قدموا لها يد العون و المساعدة أثناء فترة بحثها خلال سنوات البحث و قد كانت الدردشة حول جملة ما توصلت إليه في أبحاثها هذه و ما تعرضت له في كتابها الذي صدر أخيرا باللغة الإنجليزية تحت عنوان:

On The Edge of Empire: 
Hadhramawt, Emigration and the Indian Ocean 1880s-1930s 

و هذا الكتاب كان نقطة انطلاق الدردشة مع المؤلفة و قد سألتها أولا حول ما يحتويه الكتاب هذا و أشارت إلى أن الكتاب عبارة عن دراسة قامت بها بعد أبحاث عدة أجرتها خلال السنوات 93-97م و هي بمثابة دراسة تاريخية اجتماعية رصدت الحالة التاريخية الاجتماعية خلال هذه الفترة 1880-1930م تم فيها معرفة الظروف الاجتماعية أثرها على كثير من الحوادث التاريخية خلال هذه الفترة الزمنية, و أشارت إلى أن الأبحاث لم يتم سردها جميعا في صفحات هذا الكتاب نظرا لشروط الناشر التي حتم على اختصار المادة العلمية و تقليص عدد صفحات الكتاب فتم حذف كثير من المعلومات التي أبقيتها خارج إطار الكتاب و هي ضمن أوراق الأبحاث.

و عند سؤالي لها حول كيفية التوفيق بين الخصائص التاريخية و الاجتماعية في الدراسة؟ كانت إجابتها أولا بتعريفها بنفسها أنها متخصصة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث و هي بذلك باحثة في مجال التاريخ و لعل الكتابة في التاريخ لأي باحث يأتي من خارجه يتطلب منه معرفة ذلك المجتمع و خصائصه و لذلك لا يمكن دراسة تاريخه بدونها و صحيح أني عايشت كثيرا من هذا الجانب لكني مع طول المكوث و معرفة المجتمع باندماج به استطعت أن أتغلب على كثير من الصعاب و أتجاوز هذه الإشكالية.

و عن العلاقة بين المحيط الهندي و الهجرة الحضرمية كما جاء بعنوان الكتاب قالت الدكتورة (ليندا) أن حضرموت واقعة على ساحل عريض و لهذا كانت كل الهجرات إلى إندونيسيا و إفريقيا و غيرها عبره و للسبب ذاته بحثت هذه العلاقة بين المحيط الهندي و الهجرة الحضرمية و تحدثت عنها بشكل واضح في الدراسة, من رصد هذه الهجرة عبر هذا المحيط إلى أقاليم عدة من داخل حضرموت و للأسف لم أسافر إلى الأقاليم التي هاجروا إليها كإندونيسيا و غيرها لأنني كنت أبحث فقط في الظروف الداخلية التي دفعت بهم إلى الهجرة.

و لأنها تعرضت للدوافع الداخلية التي فرضت على أبناء حضرموت الهجرة إلى هذه الأقاليم سألتها و قد بحثت في هذه الدوافع ما هي الدوافع للهجرة الحضرمية متعددة منها السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و لعلها لم تستطع أن تغلب أحدها على الآخر و عللت ذلك باختلاف الظروف و الأزمنة وفق محددات فترة البحث 1880-1930م لكنها غلبت الدوافع الاجتماعية و الاقتصادية على غيرها بشكل عام.

و خلال هذه الدردشة و خاصة عند الحديث عن بنية المجتمع الحضرمي أحسست منها تؤكد في الجانب الاجتماعي على مسألة التركيبة الطبقية للمجتمع و هي كما تشير إلى أهميتها و أنها لم تلق جانب العناية من البحث و لها تأثير قوي على حركة تطور المجتمع من خلال طبقاته المميزة من خلال الطبقات الرئيسية له (سادة ، مشايخ ، --) و هناك طبقات تتباين في التقارب و التباعد من هذه الطبقات الرئيسية و بمختلف مسمياتها باختلاف المناطق و قد أشارت بالتحديد إلى مسألة غاية في الأهمية حول مجود هذه الفوارق و أثر هذه الطبقات حتى اليوم على بنية المجتمع و هو ما جعلها تعطي محددا واضحا في ذلك بمناطق ساحل حضرموت و مناطق وادي حضرموت و أن فعل و أثر هذه الطبقات بتميزها يختفي تدريجيا كلما اتجهنا من الوديان و المرتفعات إلى السهول الساحلية بحضرموت فيكاد البحث لا يظهر لها أثرا اجتماعيا فاعلا الآن في الساحل عن حضرموت الداخل و باعتقادي أن ما توصلت إليه الدكتورة (ليندا) فيه جانب من حدس الباحث و بالتالي فإن التعليل المنطقي لها أن التأثير على التجمعات المدنية بمناطق ساحل حضرموت من خلال الهجرات و التواصل و الاتصال على الموانئ كان له أثر في ذلك من وجهة نظري.

و عن حضرموت كجغرافيا و تاريخ و اجتماع كيف تراها الباحثة لحكم فترات بحثها فيها و ما توصلت إليها خلال هذا الكتاب الذي يضاف إلى جملة ما كتبه غيرها من غير أبنائها كانت و أنا أبادرها بالسؤال ذاته قد بدت على وجهها الابتسامة و علقت بشيء من الاقتضاب بأنها (و تعني حضرموت) ثرية بكل شيء و لازالت بكرا و تحتاج إلى أبحاث و أبحاث: حينها قابلتها بنوع من الخجل الذي بدا على محياي مقابل ابتسامتها التي رسمتها على قسمات وجهها عند السؤال و كان ذلك الخجل الذي بدا على وجهي سببه جوابها الدبلوماسي و كأنها قالت أن أبناء حضرموت من الباحثين لم يعطوا لحضرموت حقها من الاهتمام و أمام هذا الموقف ساءت الصدف أن يدخل ضيف على أستاذنا الفاضل عبد الرحمن عبد الكريم الملاحي و يقطع هذه الدردشة قد بدأنا التجديف نحو غاياتها التي شاءت الأقدار إلا أن تتوقف عند هذا الحد. 

عند المناقشة تجد أن الدكتورة ليندا لديها قدرات كبيرة على الحوار و تتمتع بصفات الباحثة من حيث القدرة على الحوار و الإصغاء الجيد و التدوين السريع و السؤال عن مصادر المعلومة و المثابرة و الصبر في البحث عن الحقيقة لاكتشاف هذه الصفات فيها تدرك حينها جيدا كيف استطاعت أن تخرج بحصيلة هذا الكتاب الكبير الحجم الذي كما قالت اختصر كثيرا تحت إلحاح دار النشر و نأمل أن نرى هذا الكتاب بطبعته العربية لكي تعم الفائدة أكبر عدد ممكن من قراء لغة الضاد.

و قد كان هذا اللقاء مع الدكتورة ليندا خلال عودتها في سبتمبر 2004 إلى حضرموت و غادرت بعدها إلى عمان قبل مغادرتها الشحر و تريم و قشن و الغيظة و هي خلال هذه الزيارات الجديدة تعد أبحاثا أهمها:

1- المجاعة في حضرموت أثناء الحرب العالمية الثانية.

2- علاقة حضرموت و المهرة بعمان.

و هي متخصصة في تاريخ الشرق الأوسط الحديث و قد تفرغت الآن من عملها الأكاديمي و الجامعة لأجل أبحاثها و تحاضر في كثير من جامعاتنا العربية و تشارك في ندوات في تخصصها. 

 

تاريخ الإدخال: 26 يناير 2005 م

طباعة النص : مريم سعيد باوزير

المصدر : صحيفة شعاع الأمل العدد 43- ديسمبر 2004 الصادرة من جمعية الأمل الخيرية الاجتماعية و الثقافية  - الجمهورية اليمنية  - محافظة حضرموت

المصدر إهداء من : د. عمر عبد الله بامحسون

صورة غلاف كتاب :On The Edge of Empire
Hadhramawt, Emigration and the Indian Ocean 1880s-1930s 

استعراض كتاب :On The Edge of Empire
Hadhramawt, Emigration and the Indian Ocean 1880s-1930s ( باللغة الانجليزية )

عناوين أعمال أخرى للكاتبة ليندا بوكسبيرجرعن حضرموت 

 

من تراث الأسرة